الإثنين 4 ديسمبر 2023

رياح الأزمات عادت لتعصف من الجنوب

عادت رياح الأزمات لتعصف من الجنوب بعد الإطاحة بالرئيس النيجَيري محمد بازوم؛ أزمة جديدة أثارت زوبعة من التصريحات والمواقف الرسمية التي تكاثرت على المستويين الإقليمي والدولي، فيما تتّجه كل الأنظار إلى موقف الجزائر الرافض لأي استخدام محتمل للقوة أجنبيا كان، أو افريقيا، مثل ذلك الذي هددت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “ايكواس”، حيث لم تكتفي بفرض عقوبات اقتصادية على دولة النيجر بل و أكدت أنها ستتدخل عسكريا في حالة عدم انصياع القيادة العسكرية لقراراتها القاضية بإعادة النظام الدستوري للبلاد.

وبالرغم من كونه سابع استيلاء للجيش على السلطة خلال ما يزيد قليلا عن عامين في غرب ووسط أفريقيا، وتحديدا في الحزام الخاضع للنفوذ الفرنسي الذي يمتد من النيجر ومالي وتشاد وصولا إلى بوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى إلا أن، هذه المرة، يتابع العالم بأسره تطورات الوضع في النيجر بقلق كبير وتراقبه الجزائر  بقلق أكبر، نظرا لتغير المعطيات الجيوسياسية، أولا على الصعيد الدولي الذي يميزه صراع النفوذ بين الشرق والغرب، وثانيا على المستوى القاري مع تنامي الأزمات والتهديدات الأمنية في منطقة الساحل وهي ساحة مرشحة لحرب النفوذ الدائرة بين المعسكرين.

لقد أعادت التوترات السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي تشهدها النيجر، حاليا، شبح عدم الاستقرار في عدد من الدول الأفريقية، سواءٌ تلك التي لها جوار مباشر مع النيجر مثل الجزائر، أو التي ليس لها جوار مباشر معها، وهنا تطرح مجدداً قضية التحديات الأمنية للجزائر في جوارها، كونها حجر ارتكاز القارة السمراء بشكل عام والمديرة لصناعة الاستقرار في العمق الإفريقي الذي يميزه ساحل مضطرب أمنيا.

الجزائر ومُعضلة الدولة المحورية

مما لا شك فيه أن الجزائر هي النواة الصلبة للعمق الإفريقي، بحكم موقعها الجغرافي، إضافة إلى ثقلها الدبلوماسي والأمني، وفي ظل الوضع المتوتر في النيجر التي تملك معها حدودا برية مباشرة تقدر ب 956 كلم، تواجه الجزائر معادلة أمنية صعبة، تكمن في كيفية التوفيق بين حماية حدودها ومصالحها الإستراتجية وواجب التنسيق الأمني مع دول الجوار، مع الالتزام بعقيدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ مما يجعلها ملزمة على صياغة دورها الإقليمي صياغة واعية ومدروسة.

ومن هذا المنطلق، ينبغي الإشارة إلى أن إدراك دور الجزائر في الفضاء الجيوسياسي الإفريقي، تحدده عناصر الصراع والاستقرار التي تتحكم في مدى القوة ونسبة التأثير في عمقها الاستراتيجي، بمعزل عن الهندسة الأفريقية للسلم والأمن، والمبادرات الخاصة في مجال التعاون الأمني وحل النزاعات خصوصا مع دول الساحل، ويضاف إلى كل هذا محاربة الجريمة الاقتصادية المنظمة التي تنبعث رائحتها من دول الجوار، خاصة بعد إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي وسقوط الشمال المالي سنة 2012 بيد الجماعات المسلحة.

الجزائر تدرك تمامًا أن التعاطي مع الفضاء الإفريقي عملية بالغة التعقيد؛ ولعل القارئ المستبطن للتحرك الدبلوماسي الجزائري منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، يؤمن بأن التعامل مع أزمة النيجر في اللحظة الراهنة يتطلب ضمان السلم كأولوية قصوى تجنبًا لأية تهديدات تزحف من الخارج، نظرا للظروف التي تحيط بالجزائر والتوترات المتتالية في شمال إفريقيا والساحل بسبب انهيار النظام الأمني في عدد من دول المنطقة، خاصة في ليبيا ومالي وازدياد قوة الجماعات الإرهابية التي استفادت من فوضى السلاح، والتي دفعت الجزائر إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة لحماية حدودها اضافة.

تداعيات تطور الوضع في النيجر على الجزائر

مع بداية العد التنازلي لمهلة السبعة أيام التي أعطاها قادة دول غرب أفريقيا لقادة الجيش في النيجر لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، بدأت تُطرح وبقوة إشكالية تداعيات الازمة على الجزائر، في حالة حدوث تدخل عسكري في النيجر، وهو “أمر غير مستبعد حسب آخر بيان للخارجة الجزائرية حول الموضوع”، وباعتبارها بوابة إفريقيا بحكم موقعها الجغرافي الذي جعلها بلد العبور لآلاف المهاجرين القادمين من دول الساحل عبر حدودها البرية الواقعة بين سبع دول والممتدة على 7011 كلم، وشريط حدودي مقدر ب 1200 كلم، ستكون التهديدات مباشرة على الأمن القومي للجزائر.

لا يخفى على احد أن التأثير المباشر لأزمة النيجر هو إحياء النشاط الإرهابي في بلاد المغرب العربي من جديد؛ والذي بدأت معالمه تلوح في الأفق، إذ منذ بضعة أيام فقط، قامت عناصر تنتمي إلى تنظيم “داعش” الإرهابي، بشن هجوم على قافلة عسكرية كانت متجهة إلى النيجر، من مالي التي تحولت إلى نقطة ارتكاز مهمة للتنظيمات الإرهابية التي وجدتها مرتعاً خصباً في سياق توسعها شرقاً وغرباً في منطقة الحدود الثلاثية بين مالي بوركينا فاسو والنيجر.

لقد قدمت الجزائر أكثر من أي بلد آخر لدعم هدف تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، والمساهمة في حلّ النزاعات في الساحل الافريقي، وحاليًا تستضيف آلاف الأفارقة النازحين من مناطق الأزمات، وتتبرع بأطنان من الأغذية والأدوية لمخيمات في موريتانيا والنيجر.. كما خصصت الجزائر مؤخرا مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في الدول الإفريقية، إلا أن تصاعد وتيرة المخاطر وزعزعة الأمن الاستقرار الإقليمي نتيجة متوقعة في حال تطور الوضع في النيجر، خاصة مع زيادة انتشار الأسلحة التي تدفقت وما زالت تتدفق على المنطقة واتساع رقعة النشاط المسلح وتفاقم الجريمة المنظمة.

بقلم ليلى بعير

عن قسم التحرير

تحقق أيضا

عطاف يزور واشنطن للقاء بلينكن ومسؤولين رفيعي المستوى

يحل وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج, السيد أحمد عطاف, ابتداء من عشية اليوم الثلاثاء, …

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: